من المفهوم إلى التقنية BIMاﻟ
اﻟ BIM هذه الأحرف التي باتت كلمة واضحة، بل تعبيراً مفهوم المعنى رغم أحرفها الأعجمية غير العربية، فبمجرد تناقلها بين المختصين والعارفين بحقل الهندسة على اختلاف فروعه تبدو محددة القصد والبيان …
ومن هنا ننطلق للتعريف بها بدءاً من المفهوم الذي (هو تصور يتشكل في الذهن، تثقله الخبرة ..أو تخيل وإدراك) وصولاً للتقنية والتي هي (مهارة أو معرفة معينة خاصة بمجال علمي متخصص أو علوم تطبيقية قائمة على مبادىء) ومن هنا نتابع المسير ما بين النقطتين المفهوم والتقنية …
فالكلمة كمفهوم قديمة قدم الإنسان الذي احتاج للتعبير ونقلِ مقصده الذي لديه ويرغب إيصاله للغير.. ومنه ﻓالبيم كمفهوم ولد مع الإنسان وانطلق بدءاً من الإشارات البشرية التعبيرية الأولى والحركات للتلميح والتنبيه لمقصد ومطلب، أسفر ذلك عن ولادة اللغة التي أبدعها البشر والتي كانت مطلباً لتلبية حاجاتهم ومستلزماتهم وضروراتهم الملحة، ومن ثم تنوعت لتصبح لغات متخصصة منها موسيقية وتشكيلية .. فتبللورت أبجديات التعبير التشكيلي والتي نتج عنها فنون التكوين المتعددة والتي كانت أكثر إيضاحاً وتعبيراً بقدر توفر المهارة وسهولة إيصال الفكرة أو المفهوم … ومن هنا فهي تندرج عبر النمذجة أو التعبير أو التشكيل المنتمي لمفهوم البيم، ومن هنا نرى كثيراً من الرسوم والإشارات التي وجدت قديماً وتم تفسيرها فيما بعد… أما من حيث التقنية فأرى من الضروري تكرار عبارة التعريف التي نحن نتعامل معها أكثر من مرة للوقوف على فحوى هذا المفهوم والذي انطلق من الترجمة لأحرف ثلاثة بدأنا بها Building Information Modeling BIM =
فالبيم مفهوم يسبر الفكر ويظهر خفاياه وفق تكوين افتراضي يحاكي الواقع شكلاً ومضموناً غايته تمثيل غرض ما، وهو نموذج تظهره الوسائل المتوفرة من رموز وصور وذلك لمعاينته والاستفادة منه وإجراء التجارب ليكون مأمون الجانب لدى طرحه للعمل، (فهو تركيب) يحوي مخزون معلومات مرفقة مع كل جزء من مكوناته تنطلق لإيضاح ما بها، عبر لغة رمزية أو شكلية أو رقمية باستخدام الأدوات الأكثر مهارة في الإظهار . ومن هنا ندرك أن اللغة كانت ولا زالت أمهر الأدوات التي نمزج بها الإنسان مطالبه .
وهنا يبدو(البيم) نافذه تكشف عما اعترى الإدراك والعقل من إبداع ويبحث عن أسلوب لبيانه وإظهاره للعموم (النمذجة) فكانت وسائلها بالماضي بواسطة طرق وأساليب قديمة (تلك المتوفرة وقتها) ترجمت كصور نمذجها الشعراء أحياناً بأبيات وعبارات حاكت من سمعها برعشات حزن مرة، وأخرى نسمات سعادة وفرح، فكأنها عروض سينمائية، كما نمذجها الموسيقيون بلوحات جسدت أحياناً معارك وصولات فرسان، ومرات أخرى أزيز رصاص وهدير صواعق، وكان ما يعرف بيننا بالأبيات الشعرية أو المقطوعات الموسيقية، وتابع من ثم الرسامون والنحاتون وبقية الفنيين كل حسب براعته بالنمذجة فصيغت لوحات تشكيلية حروفها التموجات والبقع اللونية وتناسق الحجوم والفراغات بتعانقها وانسجامها…
شكّل ذلك دوراً لفهمنا لغة الطيور والبلابل (إلى حد ما) التي برعت في تشكيلات طربية لحنية .
ونعود مع البداية وتحديداً مع الكلمة الأولى لولوج المفهوم الهندسي المستفيد من تعبير البناء (Building) ونسأل هل نحن مع تعامل هندسي حصري … حيث مدلول الكلمة الأساس يشير لمعاني عدة كصنع شيء عن طريق تجميع مواد مع بعضها لبناء وتصميم المباني، أو للدلالة على فعل ينشىء ويشيد ويبدع ويؤسس … وقد يأتي المعنى أعم من ذلك كبنية أو هيئة أو قوام … ولن نتوقف كثيراً لنتابع مع كلمة (Information) والتي هي المعلومة المطلوب نمذجتها عن الغرض (البناء) أي إيضاحها سواء بالمعنى الحرفي أو المجازي ومن ثم (Model) والتي تأتي كأسم (نموذج) كما قد تأتي بمعنى أسلوب أو وصف لنظام، أو عرض.
إذن نحن مع تركيب منسجم مع الهندسة كما هو بالتالي عام المفهوم … ومن هنا فهو هندسي كما هو أيضاً عام ويشير إلى تكوين أو إيضاح يفصح عن هويته الوظيفية وفق رموز متعارف عليها تلبي مطلب السائل بلغة لا مجال للشك بها .
وللمسير قدماً لتوصيف المقصد وبللورة التعريف بطريقة، الغرض منها إيضاح وافي عن الهدف، تكون البداية مع الوصف الذي يتطرق للشكل الفيزيائي ومن ثم الخوض بالمضمون وتفصيلاته وهو ما يعرف بالهوية وذلك بالتعرف على الأبعاد ومن ثم الجزئيات كنوع المركب ومكوناته ومن ثم تداخلاته، يلي ذلك التعمق بعلاقاته التفصيلية من مواد مختلفة ونوعية هذه التداخلات وكيفية الترابط بينها إن وجد هذا التراكب، ومن ثم آلية الاتصال بينها والدخول أكثر لتحديد أنواع الربط… ثم التنويه عن جدواها من حيث الكفاءة والإعتمادية ووثوقية المصدر، وذلك لكل عنصر وبحيث تتكون هوية لكل منها، وكأننا هنا نجول مع التركيب عموماً ومن ثم التعرف عن كل منها، فنتوقف لأخذ ما نريد من معلومات والتي لا يمكن أن يعطيها أفضل من العنصر نفسه بالذات وعن طريق المخاطبة أو الحوار إن أمكن (كما يتوفر ذلك بالواقع التنفيذي) لو توفرت عنده ميزة الكلام .. أو عبر أسلوب البيان بوساطة التحليل لمعرفة هويته… وهذا ما يعرف بدمج التصميم مع قاعدة بيانات مبنية على أساس تقديم معارف لإظهار معلومات شديدة الأهمية لمحاكاة خصائص كل كائن .
كل هذا بحيث لا يوجد أدنى تباين بهويتها والتعريف بها ومن ثم الوقوف عن مدى صلاحيتها للموقع الذي تشغله وكأنها تعطي الجواب: أنا تم اختياري لألبي غرضاً ما ولمدة ما وبسعر ما … بل حتى لو تعرضت لنكسات أو زوال، فيمكن أن تجيب عني تلك الجهة فهي من يعرف هويتي ويساعد في إصلاحي عند عدم أداء واجباتي، فنرى أننا مع وثائق ومعطيات تقود بالتحاليل الصحيحة والبحوث الدقيقة للوقوف على خطط مدروسة محددة، ومن هنا فهي معلومات لا يمكن أن توجد إلا عبر تشكيل واقعي منجز (فهل يمكن إيجاد هذا الواقع دون الخوض في مغامرة باهظة التكاليف وهدر زمن للتجربة) هنا يكمن البحث عن طريقة ما، تحاكي الواقع وعبرها نستطيع تحقيق المراد اختباره وهو أمر لو تم وبات واقعاً وظهرت به نتائج سلبية لاحتجنا تعديله، أما لو ظهرت ضرورة تغيره بالكامل فنحن هنا في ورطة من حيث تكاليف التبديل والتغير… ومن هنا وعبر النمذجة الإفتراضية التي قادتنا لتكوين مرن التعامل سهل التبديل والتغير فنحن مع مفهوم يقود لإنجاز وتنفيذ افتراضي يصلح لإجراء ما نريد من دراسات وتحليلات واستفسارات دون الخوف من إمكانية التبديل والتعديل .. حيث هو وجد لهذه الغاية الإفتراضية وبنفس الوقت مكون مرئي أعد لهذا الغرض ويستخدم معايير معتمدة أفلح رواد أعمال البناء في العالم بالإرتقاء بتعاريفها وتوحيد اصطلاحاتها فكان أن ظهرت أنظمة قياسية دولية الاعتماد تستخدم رموزاً باتت كلغات معترف بها ومن هنا بات المفهوم تقنية أو طريقة تنفيذية بارعة وماهرة للتعامل مع الواقع بشكل تصويري خيالي يدخل الخبرة والمعرفة بتكويناته وتراكيبه مستفيداً من الموثوقية المعروفة بالمواصفة، كل هذا عبر مخرجات سهلة التداول بأيدي الجميع وهي الحواسب التي تشهد التطور يوماً عن يوم .
الحواسب التي وفرت الغرض بشكل مثالي سواء كان مبنى أو منتج عام، عبر تشكيل ثلاثي الأبعاد يضم بكل جزء منه مخزون معلوماتي معتمد ويقدم ما يطلب من وثائق واستفسارات لنقف على صلاحيته العمرية ونتعرف لمجرياته وتبدلاته فتكون منذراً ومنبهاً لنا فنتدارك أموراً يمكن تلافيها بما يعرف بالصيانة وبرمجة مواقيتها وكأنها تحدث بزمن محدد وبتكاليف محسوبة، بل نحن مع معرفة جازمة بوقت انتهاء صلاحيتها .
إذن نحن مع ابتداع طريقة تمر بنا بكل ما ذكر من مجريات…
فنحن مع تقنية بارعة اسمها البيم .
وبعد هذا السرد عن المفهوم والتقنية نصل الى مفترق أكثر أهمية، وهو الأدوات والمخرجات وتنوعها والتي تتطلب رحلة أخرى فإلى لقاء آخر ….
حسان النشواتي
-
- يحمل ماجستير في إدارة المشاريع الهندسية من الولايات المتحدة
- عمل مدرساً لأسس التصميم المعماري والمباديء للكومبيوتر بمعهد التقنية – كولومبوس – أوهايو
- كما عمل مدرساً لمادة مدخل للكومبيوتر كمساعد بالتصميم في كلية بيفر – بنسلفانيا
- باحث بالتراث وله كتاب توثيقي لحي القيمرية (أحد أحياء دمشق القديمة)